- عنتر فتح اللهالمدير
تاريخ فلسطين 12
الخميس مارس 26, 2009 6:59 pm
القدس في عهد عبد الملك والوليد:
يُعد عبد الملك بن مروان المؤسس الحقيقي للدولة الأموية، فقد أنقذها من الانهيار، وانتصر على منافسه القوي عبد الله بن الزبير، حتى خضعت له الحجاز والعراق، وانفرد بالحكم في العالم الإسلامي.
وقد جاء من بعده ابنه الوليد، فبلغت الدولة في عهده شأنا كبيرا، وكثرت الفتوحات حتى وصل المسلمون إلى أوروبا من جنوبها الغربي، وفتحوا الأندلس، كما توغلوا في آسيا إلى الشرق والجنوب، وفتحوا السند والهند..
ولعبد الملك والوليد في القدس أعمال خالدة، ما زال بعضها قائما إلى اليوم، فبناء المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة هما من أعمال عبد الملك والوليد وقد رصد عبد الملك لبناء قبة الصخرة وحدها خراج مصر سبع سنين، كما عبّد طريق القدس إلى الشام، وطريق القدس إلى الرملة.
وأما الوليد، فقد بويع بالخلافة ـ فيما يقال ـ على سطح الصخرة المقدسة، وواصل عمل أبيه في بناء المسجد الأقصى حتى أتمه، ورتب له الخدم والرعاة الذين يصونونه.
سليمان بن عبد الملك وبيت المقدس:
سليمان هو ثاني أبناء عبد الملك بن مروان الأربعة (الوليد وسليمان ويزيد وهشام) الذين تولوا الخلافة بعد أبيهم، وكان آخرُ مناصبه قبل مبايعته بالخلافة العامة (سنة ست وتسعين) هي الولاية على فلسطين..
وقد أعطى هذا المنصب لسليمان معرفة جيدة بفلسطين ومدنها، وعلى رأسها القدس والرملة، وكان محببا إليه الجلوس تحت قبة السلسلة بأرض الحرم القدسي الشريف.
وترجم سليمان حبه للقدس عقب توليه الخلافة بصورة أبهى من ذلك، فبويع على سطح الصخرة تحت القبة التي بناها أبوه، في مشهد مبهر، اجتمع فيه الناس حول الخليفة الجديد وإلى جانبه المال وكتّاب الدواوين.
وكاد سليمان أن يتخذ قرارا، هو الأول من نوعه في تاريخ المسلمين، بنقل العاصمة إلى بيت المقدس أو الرملة، وسيطرت على تفكيره حينئذ صورة نبي الله سليمان ـ عليه السلام ـ وهو يحكم مملكته القوية من بيت المقدس.. ولكن هذا الأمر لم يتحقق، ربما للموت السريع الذي أدرك سليمان بن عبد الملك سنة ثمان وتسعين وهو في مرج دابق شمالي الشام.
العباسيون والقدس:
مع العباسيين بدأت العاصمة تنتقل شرقًا إلى العراق، حتى بنى المنصور بغداد هناك، فاختطفت الأضواء من كل مدن الدنيا، وبهذا تراجعت مكانةُ الشام ومدنِه عما كانت عليه في عصر الأمويين، وبرزت أسماء الكوفة وبغداد والبصرة ، بدلاً من دمشق وبيت المقدس والرملة.
وعلى الرغم من ذلك فقد اهتم العباسيون منذ بداية دولتهم (سنة مائة واثنتين وثلاثين للهجرة) بإدخال الشام وفلسطين تحت سلطانهم، لما لهذه المنطقة من أهمية بالغة، فدخلها صالح بن عليّ عمُّ الخليفة المنصور في نفس السنة، في خمسين ألف مقاتل، وضمها إلى التاج العباسي المنتصر.
وكان من نصيب الشام في بداية الدولة العباسية أن تقع تحت إمارة رجل من البيت الحاكم، تميز بالغلظة والشدة، وهو عبد الله بن عليّ الذي تَتَبَّع الأمويين في كل مكان من فلسطين والشام، وقتل الكثيرين منهم، وتسبب في ثورتهم ضد الخلافة الجديدة في دمشق وقِنَّسْرين؛ حيث وُوجِهُوا بشدة بالغة.
وعقب تولي المنصور للخلافة سنة مائة وست وثلاثين، ثار عمُّه عبدُ الله بنُ عليّ ضده في الشام، وسار عبد الله على نهجه السابق في الغلظة والشدة، واستقل بالشام عن الدولة، مدعيًا أنه أحق بالخلافة من المنصور ابن أخيه، وحين لم يستجب لنداءات المنصور السلمية، بعثت إليه الخلافة جيشًا كبيرًا انتزع منه الشام، فصارت بيت المقدس تحت تاج الخلافة العباسية المستقرة.
ومنذ استقرت الأمور للبيت العباسي تعود الخلفاء تفقد مدن الشام، وزيارة بيت المقدس، كما فعل المنصور حين خضعت له الشام. وانصب اهتمامهم في الغالب على المسجد الأقصى، فرَعَوْه واهتموا به، وتابعوا ترميمه وبناءه، كما فعل المنصور والمهديُّ والمأمون.
ومن القضايا العباسية الأخرى ذات الصلة ببيت المقدس، علاقة الخلافة بالمسيحيين من أهل القدس، وتأثر وضع المدينة بالتقلبات السياسية في عموم الدولة حينما ضعفت حتى خضعت القدس للطولونيين، ومن بعدهم للإخشيديين، ثم الفاطميين.
علاقة العباسيين بأهل الذمة في القدس:
في الصراع الأموي العباسي وقف أهل الذمة في بيت المقدس على الحياد، فهو صراع "لا ناقة لهم فيه ولا جمل"، فبقيت أمورُهم مستقرة، يزاولون حياتهم وعقيدتهم بحرية، على الصورة التي تعهد لهم بها المسلمون منذ الفتح العُمَرِيِّ للقدس.
فلما تولى المهدي الخلافة سنة مائة وثمان وخمسين للهجرة، اعتنى بمواجهة البِدعة والانحراف العقائدي في صفوف المسلمين، ونفى إلياس الثالث بطريرك بيت المقدس إلى بلاد فارس؛ لعصبية دينية ظاهرة من البطريرك نحو دينه، كما أسكن "المهدي" المسيحيين من أهل القدس في حي واحد بالمدينة.
وفي عهد الرشيد بلغت الدولة ذروةَ مجدِها، وصب هذا في اتجاه تحسين معاملة الدولة لأهل الذمة بصورة كبيرة في بيت المقدس وعموم الدولة.
وأكثر من ذلك سمح الرشيد للإمبراطور شارلمان بترميم كنائس المدينة، وتعهد الخليفة بحماية الحجيج من النصارى الذين يَفِدُونَ إلى بيت المقدس لزيارة أماكنِهم المقدسة.
وتبادلت وفودُ الرشيد ـ الذي كان يحكم أكبر ممالك الدنيا في هذا الزمان ـ ووفودُ شارلمان ـ الذي كان يحكم جزءًا كبيرًا من غرب أوروبا وجنوبها ـ تبادلت هذه الوفود الزيارات في رحلات طويلة ومتتابعة، وفي إحدى هذه الزيارات إلى بغداد منح أميرُ المؤمنينَ هارون الرشيدُ الوفدَ المسيحيَّ مفاتيحَ كنيسة القيامة ـ أكبر أثر نصراني في القدس ـ ليسلموها إلى سيدهم شارلمان.
الطولونيون والسيطرة على القدس:
بعد انقضاء عصر الخلفاء العباسيين العظام، بدأت سيطرة خلفائهم على الدولة تضعف، وكان ذلك بعد انقضاء قرن واحد من عمر الدولة، أي في سنة مائتين واثنتين وثلاثين، ومن هنا كثُرت انشقاقاتُ القادة واستقلالُهم عن الدولة، وأصبح ذلك غير قاصر على الأطراف، وإنما امتد ليصل إلى القلب، حتى صار مقام الخليفة يشبه المنصب الشرفي في كثير من الأحيان.
ومن القادة الذين اجترءوا على الاستقلال ببعض أجزاء الدولة أحمد بن طولون، الذي كان أبوه رجلاً تركستانيًا اصطفاه المأمون في الخدمة، حتى صار قائدًا للحرس الخلافي. وورث أحمد عن أبيه القرب من العباسيين، واستغل فرصةَ ضعف الدولة، فاستقل بمصر، وسيطر معها على الشام، وأقام دولة لأسرته، يتوارثون فيها المُلك عن بعضهم بعضا.
وقد سيطر ابن طولون على القدس عام مائتين وخمسة وستين من الهجرة، ووطد سلطانه في الشام، بعد أن وطده في مصر.
وفي عهد ابن طولون عانى نصارى بيت المقدس من بعض المتاعب، فقد مُنعوا من لبس الدروع إلا بشروط، وحُظر عليهم ركوبُ الخيل.
كما وقع خلاف حاد بين بعض القبائل العربية المقيمة في فلسطين، فاقتتل بنو لخم وبنو جذام في عهد ابن طولون قتالاً شديدًا.
لقد كان وضع القدس في فترة الحكم الطولوني خاملاً بوجه عام، حتى خرجت من أيديهم بعد حكم دامَ سبعةً وعشرين عاما فقط، وبعدها بقليل دخلت المدينة تحت سلطة الإخشيديين
يُعد عبد الملك بن مروان المؤسس الحقيقي للدولة الأموية، فقد أنقذها من الانهيار، وانتصر على منافسه القوي عبد الله بن الزبير، حتى خضعت له الحجاز والعراق، وانفرد بالحكم في العالم الإسلامي.
وقد جاء من بعده ابنه الوليد، فبلغت الدولة في عهده شأنا كبيرا، وكثرت الفتوحات حتى وصل المسلمون إلى أوروبا من جنوبها الغربي، وفتحوا الأندلس، كما توغلوا في آسيا إلى الشرق والجنوب، وفتحوا السند والهند..
ولعبد الملك والوليد في القدس أعمال خالدة، ما زال بعضها قائما إلى اليوم، فبناء المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة هما من أعمال عبد الملك والوليد وقد رصد عبد الملك لبناء قبة الصخرة وحدها خراج مصر سبع سنين، كما عبّد طريق القدس إلى الشام، وطريق القدس إلى الرملة.
وأما الوليد، فقد بويع بالخلافة ـ فيما يقال ـ على سطح الصخرة المقدسة، وواصل عمل أبيه في بناء المسجد الأقصى حتى أتمه، ورتب له الخدم والرعاة الذين يصونونه.
سليمان بن عبد الملك وبيت المقدس:
سليمان هو ثاني أبناء عبد الملك بن مروان الأربعة (الوليد وسليمان ويزيد وهشام) الذين تولوا الخلافة بعد أبيهم، وكان آخرُ مناصبه قبل مبايعته بالخلافة العامة (سنة ست وتسعين) هي الولاية على فلسطين..
وقد أعطى هذا المنصب لسليمان معرفة جيدة بفلسطين ومدنها، وعلى رأسها القدس والرملة، وكان محببا إليه الجلوس تحت قبة السلسلة بأرض الحرم القدسي الشريف.
وترجم سليمان حبه للقدس عقب توليه الخلافة بصورة أبهى من ذلك، فبويع على سطح الصخرة تحت القبة التي بناها أبوه، في مشهد مبهر، اجتمع فيه الناس حول الخليفة الجديد وإلى جانبه المال وكتّاب الدواوين.
وكاد سليمان أن يتخذ قرارا، هو الأول من نوعه في تاريخ المسلمين، بنقل العاصمة إلى بيت المقدس أو الرملة، وسيطرت على تفكيره حينئذ صورة نبي الله سليمان ـ عليه السلام ـ وهو يحكم مملكته القوية من بيت المقدس.. ولكن هذا الأمر لم يتحقق، ربما للموت السريع الذي أدرك سليمان بن عبد الملك سنة ثمان وتسعين وهو في مرج دابق شمالي الشام.
العباسيون والقدس:
مع العباسيين بدأت العاصمة تنتقل شرقًا إلى العراق، حتى بنى المنصور بغداد هناك، فاختطفت الأضواء من كل مدن الدنيا، وبهذا تراجعت مكانةُ الشام ومدنِه عما كانت عليه في عصر الأمويين، وبرزت أسماء الكوفة وبغداد والبصرة ، بدلاً من دمشق وبيت المقدس والرملة.
وعلى الرغم من ذلك فقد اهتم العباسيون منذ بداية دولتهم (سنة مائة واثنتين وثلاثين للهجرة) بإدخال الشام وفلسطين تحت سلطانهم، لما لهذه المنطقة من أهمية بالغة، فدخلها صالح بن عليّ عمُّ الخليفة المنصور في نفس السنة، في خمسين ألف مقاتل، وضمها إلى التاج العباسي المنتصر.
وكان من نصيب الشام في بداية الدولة العباسية أن تقع تحت إمارة رجل من البيت الحاكم، تميز بالغلظة والشدة، وهو عبد الله بن عليّ الذي تَتَبَّع الأمويين في كل مكان من فلسطين والشام، وقتل الكثيرين منهم، وتسبب في ثورتهم ضد الخلافة الجديدة في دمشق وقِنَّسْرين؛ حيث وُوجِهُوا بشدة بالغة.
وعقب تولي المنصور للخلافة سنة مائة وست وثلاثين، ثار عمُّه عبدُ الله بنُ عليّ ضده في الشام، وسار عبد الله على نهجه السابق في الغلظة والشدة، واستقل بالشام عن الدولة، مدعيًا أنه أحق بالخلافة من المنصور ابن أخيه، وحين لم يستجب لنداءات المنصور السلمية، بعثت إليه الخلافة جيشًا كبيرًا انتزع منه الشام، فصارت بيت المقدس تحت تاج الخلافة العباسية المستقرة.
ومنذ استقرت الأمور للبيت العباسي تعود الخلفاء تفقد مدن الشام، وزيارة بيت المقدس، كما فعل المنصور حين خضعت له الشام. وانصب اهتمامهم في الغالب على المسجد الأقصى، فرَعَوْه واهتموا به، وتابعوا ترميمه وبناءه، كما فعل المنصور والمهديُّ والمأمون.
ومن القضايا العباسية الأخرى ذات الصلة ببيت المقدس، علاقة الخلافة بالمسيحيين من أهل القدس، وتأثر وضع المدينة بالتقلبات السياسية في عموم الدولة حينما ضعفت حتى خضعت القدس للطولونيين، ومن بعدهم للإخشيديين، ثم الفاطميين.
علاقة العباسيين بأهل الذمة في القدس:
في الصراع الأموي العباسي وقف أهل الذمة في بيت المقدس على الحياد، فهو صراع "لا ناقة لهم فيه ولا جمل"، فبقيت أمورُهم مستقرة، يزاولون حياتهم وعقيدتهم بحرية، على الصورة التي تعهد لهم بها المسلمون منذ الفتح العُمَرِيِّ للقدس.
فلما تولى المهدي الخلافة سنة مائة وثمان وخمسين للهجرة، اعتنى بمواجهة البِدعة والانحراف العقائدي في صفوف المسلمين، ونفى إلياس الثالث بطريرك بيت المقدس إلى بلاد فارس؛ لعصبية دينية ظاهرة من البطريرك نحو دينه، كما أسكن "المهدي" المسيحيين من أهل القدس في حي واحد بالمدينة.
وفي عهد الرشيد بلغت الدولة ذروةَ مجدِها، وصب هذا في اتجاه تحسين معاملة الدولة لأهل الذمة بصورة كبيرة في بيت المقدس وعموم الدولة.
وأكثر من ذلك سمح الرشيد للإمبراطور شارلمان بترميم كنائس المدينة، وتعهد الخليفة بحماية الحجيج من النصارى الذين يَفِدُونَ إلى بيت المقدس لزيارة أماكنِهم المقدسة.
وتبادلت وفودُ الرشيد ـ الذي كان يحكم أكبر ممالك الدنيا في هذا الزمان ـ ووفودُ شارلمان ـ الذي كان يحكم جزءًا كبيرًا من غرب أوروبا وجنوبها ـ تبادلت هذه الوفود الزيارات في رحلات طويلة ومتتابعة، وفي إحدى هذه الزيارات إلى بغداد منح أميرُ المؤمنينَ هارون الرشيدُ الوفدَ المسيحيَّ مفاتيحَ كنيسة القيامة ـ أكبر أثر نصراني في القدس ـ ليسلموها إلى سيدهم شارلمان.
الطولونيون والسيطرة على القدس:
بعد انقضاء عصر الخلفاء العباسيين العظام، بدأت سيطرة خلفائهم على الدولة تضعف، وكان ذلك بعد انقضاء قرن واحد من عمر الدولة، أي في سنة مائتين واثنتين وثلاثين، ومن هنا كثُرت انشقاقاتُ القادة واستقلالُهم عن الدولة، وأصبح ذلك غير قاصر على الأطراف، وإنما امتد ليصل إلى القلب، حتى صار مقام الخليفة يشبه المنصب الشرفي في كثير من الأحيان.
ومن القادة الذين اجترءوا على الاستقلال ببعض أجزاء الدولة أحمد بن طولون، الذي كان أبوه رجلاً تركستانيًا اصطفاه المأمون في الخدمة، حتى صار قائدًا للحرس الخلافي. وورث أحمد عن أبيه القرب من العباسيين، واستغل فرصةَ ضعف الدولة، فاستقل بمصر، وسيطر معها على الشام، وأقام دولة لأسرته، يتوارثون فيها المُلك عن بعضهم بعضا.
وقد سيطر ابن طولون على القدس عام مائتين وخمسة وستين من الهجرة، ووطد سلطانه في الشام، بعد أن وطده في مصر.
وفي عهد ابن طولون عانى نصارى بيت المقدس من بعض المتاعب، فقد مُنعوا من لبس الدروع إلا بشروط، وحُظر عليهم ركوبُ الخيل.
كما وقع خلاف حاد بين بعض القبائل العربية المقيمة في فلسطين، فاقتتل بنو لخم وبنو جذام في عهد ابن طولون قتالاً شديدًا.
لقد كان وضع القدس في فترة الحكم الطولوني خاملاً بوجه عام، حتى خرجت من أيديهم بعد حكم دامَ سبعةً وعشرين عاما فقط، وبعدها بقليل دخلت المدينة تحت سلطة الإخشيديين
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى