- عنتر فتح اللهالمدير
تارخ فلسطين 11 ..... يتبع
الخميس مارس 26, 2009 6:56 pm
الوثيقة العمرية لأهل بيت المقدس:
"بسم الله الرحمن الرحيم:
ـ هذا ما أعطى عبد الله عمر بن الخطاب أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان:
ـ أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم، ولكنائسهم وصلبانهم، وسقيمها وبريئها وسائر ملتها.
ـ أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم، ولا ينتقص منها ولا من حيِّزها ولا من صليبهم، ولا من شيء من أموالهم، ولا يُكْرَهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم.
ـ ولا يَسْكن بإيلياء معهم من اليهود.
ـ وعلى أهل إيلياء أن يعطوا الجزية كما تعطي أهل المدائن (أي المدن الأخرى من بلاد الشام).
ـ وعليهم أن يُخْرجوا منها الروم واللصوت (أي اللصوص).
ـ فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم، ومن أقام منهم فهو آمن، وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية.
ـ ومن أحب من أهل إيلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلي بِيَعَهم وصُلُبهم فإنهم آمنون على أنفسهم، وعلى بيعهم وصلبهم حتى يبلغوا مأمنهم.
ـ ومن كان بها من أهل الأرض قبل مقتل فلان، فمن شاء منهم قعدوا عليه مثلُ ما على أهل إيلياء من الجزية.
ـ ومن شاء سار مع الروم، ومن شاء رجع إلى أهله، فإنه لا يؤخذ منهم شيء حتى يُحْصَد حصادهم.
ـ وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين إذا أَعْطَوا الذي عليهم من الجزية.
ـ وشهد على ذلك خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعبد الرحمن بن عوف ومعاوية بن أبي سفيان.
ـ وكُتِب وحُضر سنة خمس عشرة ..
(وفي تاريخ الفتح خلاف، وإن كان الراجح هو أنه في سنة ست عشرة).
أيام عمر في بيت المقدس:
جاء دخول أمير المؤمنين القدس يوم الإثنين ملبيًا، وأقام بها حتى يوم الجمعة، فاستقبله زعماء المدينة وعلى رأسهم البَطريرك صفرنيوس الذي تولى شرح تاريخ المشاهد الدينية بالمدينة للخليفة عمر الذي طلب مشاهدة الأماكن المقدسة .. كان ذلك وسط مشاهد الاندهاش من سكان المدينة، وفي حضور قادة الجند المسلمين ووجوه الناس...
كان عمر حريصا في تلك الزيارة على مشاهدة معالم المدينة التي كان يحمل لها صورة أخذها عن الرسول الكريم الذي وصف المدينة للناس عقب معجزة الإسراء.. وتكرر وقوف الركب في عدة أماكن التبس على البطريق نفسه أنها المسجد الأقصى، خاصة أن موقع المسجد الأقصى والصخرة المقدسة قد تعرض للعبث والإهمال أثناء الاحتلال الروماني للقدس، وغدا بقعة تغطيها القمامة، انتقاما من اليهود الذين أهانوا كنيسة القيامة عند احتلال الفرس للقدس..
وحين اقترب الركب من هذا المكان بدأ الخليفة فحص معالمه، وتأكد أنه المكان المبارك .. عندها راح الخليفة العظيم في تواضع يجمع القمامة، ويذهب ليلقيها في وادي قدرون الواقع في شرق المكان، فاقتدى به المسلمون، حتى طَهُر المكان وتطهر واتضحت معالمه، كما ظهرت الصخرة المباركة.
وحين بدا محراب داود صلى عمر ـ رضي الله عنه ـ بالمسلمين صلاة الصبح، فقرأ في الركعة الأولى سورة [ص] وسجد فيها والمسلمون معه، كما سجد داود من قبل، وفي الركعة الثانية قرأ سورة الإسراء..
وبنى عمر المسجد العمري الذي كان يؤمه المسلمون من أهل المدينة المقدسة، والقادمين إليها للزيارة عبر الزمان، حتى جدده الأمويون في عهد عبد الملك بن مروان..
وكان عمر قد رفض الصلاة في موضع بكنيسة القيامة، حين عرضها عليه البطريق صفرنيوس، صيانة لخصوصيات أصحاب الكنيسة، حتى لا يبني المسلمون مكانها مسجدًا، مدعين أنه مكان صلى فيه أمير المؤمنين ..
بيت المقدس من الفتح العمري إلى نهاية عهد الخلفاء الراشدين:
قبل أن ينصرف عمر بن الخطاب عن الشام، بعد أن تسلم مفاتيح بيت المقدس ـ راح ينظم البلاد إداريا، ويوزع السلطات بين أمراء المسلمين، فجعل الإمارة العامة في الشام في يد أبي عبيدة بن الجراح، ووقعت القدس ضمن إمارة يزيد بن أبي سفيان، الذي أمره الخليفة بالرجوع في أموره إلى قائده العام أبي عبيدة..
ولكن ما لبث طاعون عمواس أن اجتاح فلسطين وما جاورها عام السابع عشر من الهجرة، حيث مات عدد كبير من عامة المسلمين ووجهائهم وقادتهم، كأبي عبيدة ومعاذ بن جبل ويزيد بن أبي سفيان..
وبوفاة يزيد نقل عمر ما تحت يديه من السلطة إلى أخيه معاوية، وصارت القدس بذلك تحت سلطة أمير جديد من بني أمية..
وجاء أمير المؤمنين الثالث عثمان بن عفان من البيت الأموي أيضا، مؤكدا أن الإسلام يصطفي الرجال على اختلاف مشاربهم ومواهبهم، فأقرّ عثمانُ معاويةَ على الشام، اقتداء بعمر الذي أدرك موهبة الفتى الهمام مبكرا.
وإذا كان عثمان قد عُرف بالكرم والجود، حتى اشترى للمسلمين بالمدينة المنورة بئر رُومة من طيب ماله، وبثمن كبير ـ فإن القدس وأهلها أيضا قد نالتهم نفحة من جود عثمان، حيث وقف على ضعفاء أهل المدينة المقدسة عين ماء تسمى "عين سلوان"، وهي عين غزيرة تسقي الكثير من الجنان، وقيل إن عثمان وقف الحدائق التي تسقيها هذه العين على نفع المسلمين أيضا.
وبعد عثمان ـ رضي الله عنه ـ بقيت السلطة على بيت المقدس، وعلى الشام كله، في يد معاوية بن أبي سفيان. وحتى حين تولّى علي بن أبي طالب إمارة المؤمنين، ودخل في نزاع شديد مع والي الشام معاوية، فإن أمير المؤمنين لم يستطع السيطرة على بيت المقدس، وظلت في يد معاوية إلى أن قامت الدولة الأموية، وبويع معاوية بالخلافة في القدس عام أربعين من الهجرة.
بنو أمية والقدس:
تنافس هاشم بن عبد مناف وأخوه عبد شمس جد بني أمية في الجاهلية على الشرف والسيادة، فتفوق هاشم، وحاز قَصْبَ السَّبْق، وأصبح أحق بالرياسة على قريش.. وفي نفس الوقت تفرغ أخوه للتجارة حتى برع فيها، وتجول بتجارته في كثير من البلاد، وورث أبناؤه عنه ذلك..
وفي رحلة له إلى بلاد الشام توفي هاشم، ودُفن في غزة على مقربة من بيت المقدس، وأدرك الأجل أخاه عبد شمس أيضا، وهو صاحب معرفة جيدة بمدن الشام وقراه، فظلت المنافسة بعدهما، على كل أنواع الرياسة والسيادة، شديدة بين البيتين الهاشمي والأموي..
فلما بعث الله نبيه محمدا ـ صلى الله عليه وسلم ـ من بني هاشم، آمن به أناس من الفريقين، وكفر به أناس من الطرفين كذلك.. فلما انتصر الإسلام جمع الفريقين تحت ردائه، وعد العصبية للآباء والأعراق بقية من ميراث الجاهلية البغيض..
واستعمل المسلمون مواهبهم في العمل لدينهم، لا فرق في ذلك بين هاشمي وأُموي، حتى خضعت لهم أعظم بلاد الدنيا المعمورة حينئذ، ومنها مدينة بيت المقدس، التي استُشهد في الطريق إلى فتحها الكثير من عظماء الرجال من الهاشميين والأمويين وغيرهم..
ولم يمر وقت طويل حتى وقع الخلاف بين المسلمين بعد استشهاد عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ وقد كان قتل الأمير هو الفتنة التي تفرّق المسلمون لأجلها، إذ أصر فريق يقوده معاوية بن أبي سفيان على سرعة الثأر من المجرمين، في حين رأى علي بن أبي طالب أن ذلك ليس مأمون العواقب إلا حين تستقر أمور الدولة في يديه..
ولم ينته هذا الخلاف إلا حين قُتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب شهيدا بيد أحد الخوارج، وتنازل الحسن بن علي عن الخلافة حقنا لدماء المسلمين، فآلت الخلافة إلى معاوية بن أبي سفيان، لتبدأ فترة جديدة يعْرفها المؤرخون بـ "الدولة الأموية"..
واتخذ الأمويون كرسي ملكهم في بلاد الشام، حيث يجتمع أنصارهم، وبالتالي كانت القدس قريبة من عيونهم، فترك العديد من خلفاء بني أمية في المدينة المقدسة علامات خالدة وأعمالا كبيرة، لا زال العديد منها باقيا ـ بصورة من الصور ـ يشهد لهم، كما فعل عبد الملك بن مروان وابنه الوليد ، ومثلما صنع سليمان بن عبد الملك، وعمر بن عبد العزيز..
وقد بويع في القدس بإمارة المؤمنين للعديد من خلفاء بني أمية، مثل معاوية بن أبي سفيان والوليد وسليمان ابني عبد الملك.
وحفظ التاريخ لنا وصفا جميلا للمدينة المقدسة أثناء الحكم الأموي.
وصف القدس في زمن بني أمية:
معاوية بن أبي سفيان من الشخصيات الكبيرة التي شهدت انتقال القدس إلى السيادة الإسلامية، فكان من أفراد الركب المسلم الذي التف حول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وهو يتسلم مفاتيح بيت المقدس من بطريرك المدينة صفرنيوس..
ولم يكن معاوية حاضرا عاديا لهذا المشهد الكبير، بل كان أحد الشهود على وثيقة العهد الذي كتبه عمر لأهل بيت المقدس..
وحين صارت الخلافة إلى معاوية سنة إحدى وأربعين للهجرة، كانت القدس تعرفه ويعرفها، إذ مكث زمنا طويلا أميرا عليها وعلى الشام كله.
وقد وصف المؤرخون القدس تحت ظلال الأمويين فقالوا: "كان للقدس يومئذ سور، وكان على ذلك السور أربعة وثمانون برجًا، وله ستة أبواب، ثلاثة منها فقط يدخل الناس منها ويخرجون: واحد غربي المدينة، والثاني شرقيها، والثالث في الشمال. وكان يؤم المدينة، في اليوم الخامس عشر من شهر أيلول (سبتمبر) من كل سنة، جماهير غفيرة من مختلف الأجناس والأديان بقصد التجارة، ويقضي هؤلاء فيها بضعة أيام. وكان فيها مسجد مربع الأضلاع، بُني من حجارة وأعمدة ضخمة نقلت من الأطلال المجاورة. وهو يتسع لثلاثة آلاف من المصلين. والمعتقد أن هذا هو المسجد الذي بناه عمر بن الخطاب. وكان جبل الزيتون مغطى بأشجار العنب والزيتون. وكان سكان بيت المقدس يومئذ يأتون بالأخشاب التي يحتاجون إليها من أجل البناء والوقود، تنقل على الجمال من غابة كثيفة واقعة على بعد ثلاثة أميال من الخليل إلى الشمال".
"بسم الله الرحمن الرحيم:
ـ هذا ما أعطى عبد الله عمر بن الخطاب أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان:
ـ أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم، ولكنائسهم وصلبانهم، وسقيمها وبريئها وسائر ملتها.
ـ أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم، ولا ينتقص منها ولا من حيِّزها ولا من صليبهم، ولا من شيء من أموالهم، ولا يُكْرَهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم.
ـ ولا يَسْكن بإيلياء معهم من اليهود.
ـ وعلى أهل إيلياء أن يعطوا الجزية كما تعطي أهل المدائن (أي المدن الأخرى من بلاد الشام).
ـ وعليهم أن يُخْرجوا منها الروم واللصوت (أي اللصوص).
ـ فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم، ومن أقام منهم فهو آمن، وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية.
ـ ومن أحب من أهل إيلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلي بِيَعَهم وصُلُبهم فإنهم آمنون على أنفسهم، وعلى بيعهم وصلبهم حتى يبلغوا مأمنهم.
ـ ومن كان بها من أهل الأرض قبل مقتل فلان، فمن شاء منهم قعدوا عليه مثلُ ما على أهل إيلياء من الجزية.
ـ ومن شاء سار مع الروم، ومن شاء رجع إلى أهله، فإنه لا يؤخذ منهم شيء حتى يُحْصَد حصادهم.
ـ وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين إذا أَعْطَوا الذي عليهم من الجزية.
ـ وشهد على ذلك خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعبد الرحمن بن عوف ومعاوية بن أبي سفيان.
ـ وكُتِب وحُضر سنة خمس عشرة ..
(وفي تاريخ الفتح خلاف، وإن كان الراجح هو أنه في سنة ست عشرة).
أيام عمر في بيت المقدس:
جاء دخول أمير المؤمنين القدس يوم الإثنين ملبيًا، وأقام بها حتى يوم الجمعة، فاستقبله زعماء المدينة وعلى رأسهم البَطريرك صفرنيوس الذي تولى شرح تاريخ المشاهد الدينية بالمدينة للخليفة عمر الذي طلب مشاهدة الأماكن المقدسة .. كان ذلك وسط مشاهد الاندهاش من سكان المدينة، وفي حضور قادة الجند المسلمين ووجوه الناس...
كان عمر حريصا في تلك الزيارة على مشاهدة معالم المدينة التي كان يحمل لها صورة أخذها عن الرسول الكريم الذي وصف المدينة للناس عقب معجزة الإسراء.. وتكرر وقوف الركب في عدة أماكن التبس على البطريق نفسه أنها المسجد الأقصى، خاصة أن موقع المسجد الأقصى والصخرة المقدسة قد تعرض للعبث والإهمال أثناء الاحتلال الروماني للقدس، وغدا بقعة تغطيها القمامة، انتقاما من اليهود الذين أهانوا كنيسة القيامة عند احتلال الفرس للقدس..
وحين اقترب الركب من هذا المكان بدأ الخليفة فحص معالمه، وتأكد أنه المكان المبارك .. عندها راح الخليفة العظيم في تواضع يجمع القمامة، ويذهب ليلقيها في وادي قدرون الواقع في شرق المكان، فاقتدى به المسلمون، حتى طَهُر المكان وتطهر واتضحت معالمه، كما ظهرت الصخرة المباركة.
وحين بدا محراب داود صلى عمر ـ رضي الله عنه ـ بالمسلمين صلاة الصبح، فقرأ في الركعة الأولى سورة [ص] وسجد فيها والمسلمون معه، كما سجد داود من قبل، وفي الركعة الثانية قرأ سورة الإسراء..
وبنى عمر المسجد العمري الذي كان يؤمه المسلمون من أهل المدينة المقدسة، والقادمين إليها للزيارة عبر الزمان، حتى جدده الأمويون في عهد عبد الملك بن مروان..
وكان عمر قد رفض الصلاة في موضع بكنيسة القيامة، حين عرضها عليه البطريق صفرنيوس، صيانة لخصوصيات أصحاب الكنيسة، حتى لا يبني المسلمون مكانها مسجدًا، مدعين أنه مكان صلى فيه أمير المؤمنين ..
بيت المقدس من الفتح العمري إلى نهاية عهد الخلفاء الراشدين:
قبل أن ينصرف عمر بن الخطاب عن الشام، بعد أن تسلم مفاتيح بيت المقدس ـ راح ينظم البلاد إداريا، ويوزع السلطات بين أمراء المسلمين، فجعل الإمارة العامة في الشام في يد أبي عبيدة بن الجراح، ووقعت القدس ضمن إمارة يزيد بن أبي سفيان، الذي أمره الخليفة بالرجوع في أموره إلى قائده العام أبي عبيدة..
ولكن ما لبث طاعون عمواس أن اجتاح فلسطين وما جاورها عام السابع عشر من الهجرة، حيث مات عدد كبير من عامة المسلمين ووجهائهم وقادتهم، كأبي عبيدة ومعاذ بن جبل ويزيد بن أبي سفيان..
وبوفاة يزيد نقل عمر ما تحت يديه من السلطة إلى أخيه معاوية، وصارت القدس بذلك تحت سلطة أمير جديد من بني أمية..
وجاء أمير المؤمنين الثالث عثمان بن عفان من البيت الأموي أيضا، مؤكدا أن الإسلام يصطفي الرجال على اختلاف مشاربهم ومواهبهم، فأقرّ عثمانُ معاويةَ على الشام، اقتداء بعمر الذي أدرك موهبة الفتى الهمام مبكرا.
وإذا كان عثمان قد عُرف بالكرم والجود، حتى اشترى للمسلمين بالمدينة المنورة بئر رُومة من طيب ماله، وبثمن كبير ـ فإن القدس وأهلها أيضا قد نالتهم نفحة من جود عثمان، حيث وقف على ضعفاء أهل المدينة المقدسة عين ماء تسمى "عين سلوان"، وهي عين غزيرة تسقي الكثير من الجنان، وقيل إن عثمان وقف الحدائق التي تسقيها هذه العين على نفع المسلمين أيضا.
وبعد عثمان ـ رضي الله عنه ـ بقيت السلطة على بيت المقدس، وعلى الشام كله، في يد معاوية بن أبي سفيان. وحتى حين تولّى علي بن أبي طالب إمارة المؤمنين، ودخل في نزاع شديد مع والي الشام معاوية، فإن أمير المؤمنين لم يستطع السيطرة على بيت المقدس، وظلت في يد معاوية إلى أن قامت الدولة الأموية، وبويع معاوية بالخلافة في القدس عام أربعين من الهجرة.
بنو أمية والقدس:
تنافس هاشم بن عبد مناف وأخوه عبد شمس جد بني أمية في الجاهلية على الشرف والسيادة، فتفوق هاشم، وحاز قَصْبَ السَّبْق، وأصبح أحق بالرياسة على قريش.. وفي نفس الوقت تفرغ أخوه للتجارة حتى برع فيها، وتجول بتجارته في كثير من البلاد، وورث أبناؤه عنه ذلك..
وفي رحلة له إلى بلاد الشام توفي هاشم، ودُفن في غزة على مقربة من بيت المقدس، وأدرك الأجل أخاه عبد شمس أيضا، وهو صاحب معرفة جيدة بمدن الشام وقراه، فظلت المنافسة بعدهما، على كل أنواع الرياسة والسيادة، شديدة بين البيتين الهاشمي والأموي..
فلما بعث الله نبيه محمدا ـ صلى الله عليه وسلم ـ من بني هاشم، آمن به أناس من الفريقين، وكفر به أناس من الطرفين كذلك.. فلما انتصر الإسلام جمع الفريقين تحت ردائه، وعد العصبية للآباء والأعراق بقية من ميراث الجاهلية البغيض..
واستعمل المسلمون مواهبهم في العمل لدينهم، لا فرق في ذلك بين هاشمي وأُموي، حتى خضعت لهم أعظم بلاد الدنيا المعمورة حينئذ، ومنها مدينة بيت المقدس، التي استُشهد في الطريق إلى فتحها الكثير من عظماء الرجال من الهاشميين والأمويين وغيرهم..
ولم يمر وقت طويل حتى وقع الخلاف بين المسلمين بعد استشهاد عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ وقد كان قتل الأمير هو الفتنة التي تفرّق المسلمون لأجلها، إذ أصر فريق يقوده معاوية بن أبي سفيان على سرعة الثأر من المجرمين، في حين رأى علي بن أبي طالب أن ذلك ليس مأمون العواقب إلا حين تستقر أمور الدولة في يديه..
ولم ينته هذا الخلاف إلا حين قُتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب شهيدا بيد أحد الخوارج، وتنازل الحسن بن علي عن الخلافة حقنا لدماء المسلمين، فآلت الخلافة إلى معاوية بن أبي سفيان، لتبدأ فترة جديدة يعْرفها المؤرخون بـ "الدولة الأموية"..
واتخذ الأمويون كرسي ملكهم في بلاد الشام، حيث يجتمع أنصارهم، وبالتالي كانت القدس قريبة من عيونهم، فترك العديد من خلفاء بني أمية في المدينة المقدسة علامات خالدة وأعمالا كبيرة، لا زال العديد منها باقيا ـ بصورة من الصور ـ يشهد لهم، كما فعل عبد الملك بن مروان وابنه الوليد ، ومثلما صنع سليمان بن عبد الملك، وعمر بن عبد العزيز..
وقد بويع في القدس بإمارة المؤمنين للعديد من خلفاء بني أمية، مثل معاوية بن أبي سفيان والوليد وسليمان ابني عبد الملك.
وحفظ التاريخ لنا وصفا جميلا للمدينة المقدسة أثناء الحكم الأموي.
وصف القدس في زمن بني أمية:
معاوية بن أبي سفيان من الشخصيات الكبيرة التي شهدت انتقال القدس إلى السيادة الإسلامية، فكان من أفراد الركب المسلم الذي التف حول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وهو يتسلم مفاتيح بيت المقدس من بطريرك المدينة صفرنيوس..
ولم يكن معاوية حاضرا عاديا لهذا المشهد الكبير، بل كان أحد الشهود على وثيقة العهد الذي كتبه عمر لأهل بيت المقدس..
وحين صارت الخلافة إلى معاوية سنة إحدى وأربعين للهجرة، كانت القدس تعرفه ويعرفها، إذ مكث زمنا طويلا أميرا عليها وعلى الشام كله.
وقد وصف المؤرخون القدس تحت ظلال الأمويين فقالوا: "كان للقدس يومئذ سور، وكان على ذلك السور أربعة وثمانون برجًا، وله ستة أبواب، ثلاثة منها فقط يدخل الناس منها ويخرجون: واحد غربي المدينة، والثاني شرقيها، والثالث في الشمال. وكان يؤم المدينة، في اليوم الخامس عشر من شهر أيلول (سبتمبر) من كل سنة، جماهير غفيرة من مختلف الأجناس والأديان بقصد التجارة، ويقضي هؤلاء فيها بضعة أيام. وكان فيها مسجد مربع الأضلاع، بُني من حجارة وأعمدة ضخمة نقلت من الأطلال المجاورة. وهو يتسع لثلاثة آلاف من المصلين. والمعتقد أن هذا هو المسجد الذي بناه عمر بن الخطاب. وكان جبل الزيتون مغطى بأشجار العنب والزيتون. وكان سكان بيت المقدس يومئذ يأتون بالأخشاب التي يحتاجون إليها من أجل البناء والوقود، تنقل على الجمال من غابة كثيفة واقعة على بعد ثلاثة أميال من الخليل إلى الشمال".
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى