- عنتر فتح اللهالمدير
تاريخ فلسطين ...4 .... يتبع
الخميس مارس 26, 2009 6:38 pm
القدس عاصمة لمملكة سليمان:
بعد أربعين سنة من الحكم والملك مات سليمان ـ عليه السلام ـ حوالي عام ثلاثين وتسعمائة قبل الميلاد، وقد بقيت مملكته طوال هذه المدة قوية مرهوبة الجانب، وظلت القدس عاصمة له طوال حكمه ..
وأتيح لسليمان من أسباب القوة والسيطرة ما لم يتح لأبيه من قبله، فكان له جنود من الجن والإنس ومن الطير، وسخر الله له الريح تتحرك بأمره حيث شاء، وعلمه لغة الطير، مما مثل عنده أدوات لنشر الدين ومحاربة الوثنية والخرافة.
والقدس عند نبي الله سليمان أكثر من عاصمة سياسية لمملكته؛ فهي قبل ذلك، منار ينطلق منه نور النبوة، وتقام فيه العبادة لله تعالى وحده، وقد جدد سليمان ـ عليه السلام ـ بناء المسجد الأقصى بالمدينة المقدسة، واستعمل الإنس والجن في ذلك، حيث عملوا له محاريب، وغير ذلك من البنايات التي تخص المسجد.
ولم تقتصر حركة سليمان العمرانية على مسجد بيت المقدس الجليل، بل اتسعت لتشمل المدينة كلها، وكثيرًا من الجهات والبقاع في مملكته، فغدت القدس مجالا لحركة عمرانية كبيرة، ودخلت عليها توسيعات كثيرة. والقرآن في حديثه عن سليمان يشير إلى اهتمامه بالبناء والعمران عموما، واستخدامه الجن في هذه المهمات (يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجِفَان كالجواب وقُدُور راسيات). وقد جاءت ملكة سبأ إلى النبي سليمان في عاصمة ملكه، فوجدت أمامها صرحا عجيب البناء، أقيم من الزجاج فبهرها، حتى أسلمت لله، الذي يؤمن به سليمان قبلها بالرغم من أن ملكه أعظم من ملكها مراتٍ ومراتٍ.
وللشهرة الواسعة التي نالها سليمان، حتى وهو حي، بقيت عاصمته أورشليم جاذبة للناس من كل الأجناس، ومن علامات شهرته أن ملكة سبأ حينما تلقت كتابه إليها، قالت للناس من أنصارها: (إنه من سليمان..) ، فحدثتهم بطريقة مَنْ يعرف سليمان جيدًا.
وقد كانت روعة البناء والعمران السليماني في القدس وغيرها جاذبة لأعين الملوك فيما بعد، فحرصوا في غزوهم لبيت المقدس على سلب كنوزها، وتخريب عمرانها، ومثلوا سيف انتقام قاسيا من بني إسرائيل، ومن هؤلاء: البابليون والفرس واليونان والرومان.
الغزو البابلي لبيت المقدس:
بعد وفاة سليمان ـ عليه السلام ـ دب الخلاف بين بني إسرائيل، وتنازعوا على الملك، وانقسموا دولتين: إسرائيل في الشمال، ويهوذا في الجنوب، وعاصمة الأخيرة بيت المقدس.
ودب فيهم الداءان: الفرقة، وضعف الإيمان بالله، فكان من أثر ذلك أن تسلط عليهم أعداؤهم، فاقتحم الآشوريون القساة دولتهم الشمالية، وشردوا الشعب فيما سمى بـ "السبي الأول"، حوالي عام سبعمائة وواحد وعشرين قبل الميلاد.
وأما الدولة الجنوبية يهوذا، فقد اكتسحها البابليون، يقودهم نبوخذ نصَّر أو بختنصر البابلي، الذي تعامل مع بني إسرائيل بقسوة شديدة أيضا، لضلوعهم في معاونة خصومه من فراعنة مصر ـ كما يذكر بعض المؤرخين ـ فحطم بختنصر بيت المقدس، وذبح قائد الإسرائيليين وأبناءه، ونفى الشعب الإسرائيلي إلى ما بين النهرين، فيما سمى بـ "السبي الثاني". وهرب الكثيرون من وجه البطش البابلي إلى مصر والشمال الإفريقي وشبه الجزيرة العربية، وأصبحت القدس مدينة مدمرةً تتردد في أنحائها أصوات الخراب والدمار، وصارت خالية من الإسرائيليين تماما. وذلك في أوائل القرن السادس قبل الميلاد.
في هذا الزمان كان الآشوريون حكاما أقوياء فيما بين النهرين، فزحف البابليون في دولتهم الثانية على العاصمة الآشورية نينوى حتى سلبوا منها المجد، وحطموا الدولة الشرسة، ثم انطلق البابليون يوسِّعون سلطانهم، حتى أخضعوا الشام وبيت المقدس، ومنذ هذا اليوم سرى على القدس قانون أن الأقوى هو وحده الذي يستطيع السيطرة على المدينة المقدسة، يصدق ذلك على البابليين، كما يصدق على الفرس من بعدهم، ثم اليونان، ثم الرومان، وهكذا.
سيطرة الفرس على بيت المقدس:
في منتصف القرن السادس قبل الميلاد، وبعد أن أزال الإمبراطور الفارسي قورش مُلْكَ البابليين، راح الفرس يبسطون سلطانهم على المواضع المهمة من العالم المحيط بهم، وكانت دولتهم فَتِيَّةً تملك من أسباب القوة ما يمكّنها من ذلك، كما كان سلطانُها الكبير قورش يسلك سبيل الرفق مع خصومه، على النقيض من سابقِيهِ من الآشوريين والبابليين الذين لم يقتصروا على الشدة مع أعدائهم في ساحات الحرب، بل اشتدوا أيضا في مواجهة الشعوب بعد فتح الدول والاستيلاء على المدن.
وقد كان قورش أحد الفاتحين التاريخيين لبيت المقدس، فقد اتخذ قرارًا ذا أهمية خاصة في تاريخ اليهود، وهو السماح لهم بالعودة من السَّبْيِ إلى بيت المقدس، بعد أن مزق البابليون جموعهم، لكن كثيرا من الإسرائيليين كانوا قد كيّفوا حياتهم مع الواقع الجديد، واستقرت أوضاعهم في بلاد ما بين النهرين، وفضلوا البقاء في المنازل الهادئة التي أقاموها على شواطئ دجلة. إلا أن القلة التي عادت إلى المدينة المقدسة أعادت بناء سور المدينة وبيت العبادة من جديد.
ومع أن الفرس قد غادروا المدينة ومدنا أخرى كثيرة غيرها أمام زحف الإسكندر المقدوني الكاسح، إلا أنهم عادوا إليها، والرسول محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ في مرحلة دعوته في مكة، وذلك بعد الانتصار الكاسح الذي حققوه في مواجهة البيزنطيين سنة 614 من الميلاد، وعاد الفرس ليلقوا هزيمة مريرة أمام الحشود الهائلة التي قادها هرقل بعد هذا التاريخ بثلاثة عشر عاما، حيث سيطر الروم البيزنطيون على بيت المقدس بضع سنوات، انتهت بالفتح العُمَرِيّ للمدينة المقدسة سنة ست عشرة من الهجرة.
اليونانيون ووجود قلق في القدس:
الإسكندر الأكبر أو الإسكندر المقدوني، أحد القادة الكبار في التاريخ البشري، شرَّق بقواته وغرَّب فاتحا للبلاد والمدن، واستولى بقواته، وهو في مَيْعَةِ شبابه، في القرن الرابع قبل الميلاد، على مساحات واسعة من الأرض المعمورة حينئذٍ، فكون إمبراطورية لها ممتلكات في كل قارات العالم القديم: أوروبا وآسيا وإفريقيا.
وكان من قدر مدينة بيت المقدس أن تقع في يد هذا القائد الكبير، الذي أزال دولة الفرس، حين هزم دارا الثالث بالقرب من نهر إيسوس..
وقد سار الإسكندر في معاملته لليهود سير سابقِيه من الفرس، فمال إلى الرفق بهم؛ إذ استطاع أحد أحبار اليهود أن يؤثر عليه، وينال رضاه.
وعلى الرغم من ذلك فقد ضعفت أهمية بيت المقدس في هذه الفترة؛ إذْ كانت القوافل التجارية تمر بالمدن القريبة منها، دون أن تكون في حاجة إلى الذهاب إلى أورشليم التي تفتقر إلى المواد الخام التي تعتمد عليها التجارة.
واختطف الموت الإسكندر سنة 322 قبل الميلاد، وهو في شرخ شبابه، وكان قد مر على فتحه للقدس عشر سنوات فقط.. فانفتح بموته بابٌ لصراعٍ مرير بين ذوي النفوذ في دولته؛ إذْ لم يتركْ لخلافته سوى طفل صغير، كان تولّيه إيذانا بقيام المعارك والصراعات الطاحنة بين أصحاب النفوذ في جميع أنحاء إمبراطورية الإسكندر، و"تعرضت أرض يهوذا ـ وعاصمتها أورشليم ـ باعتبارها منطقة عبور مركزية للقوات المتصارعة ـ للغزو المتواصل من الجيوش السائرة من آسيا الصغرى إلى سوريا أو مصر، تحمل أمتعتها ومعداتها وعائلاتها وعبيدها. وفُتحت أورشليم ست مرات على الأقل في تلك السنوات".
تأرجحت السيطرة على القدس في هذه المرحلة بين طائفتين من اليونانيين هم: البطالمة والسلوقيون، فأخذ بطليموس الأول الذي سيطر على المدينة سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة قبل الميلاد ـ ينفي اليهود خارج القدس، ونقل الكثير منهم إلى الإسكندرية.
ومالت الكفة إلى السلوقيين سنة 275 قبل الميلاد، فاستولوا على بيت المقدس، ثم عاد البطالمة من جديد واستولوا على المدينة المقدسة سنة 199 قبل الميلاد، فدمر اليونانيون بيت العبادة الإسرائيلي، وكثيرًا ما كانوا يستدرجون اليهود إلى يافا، ويغرقونهم في مياهها، وازدادت الهجرات اليهودية إلى مصر والشمال الإفريقي وبلاد ما بين النهرين خلال هذه الفترة.
وقد جعلت هذه الأحداث الدامية اليهود أكثر ميلا إلى الحكم السلوقي، فعاونوه ضد البطالمة والمصريين (الذين كانوا خاضعين للحكم البطلمي أصلا)، فعادت أورشليم تابعة للسلوقيين من جديد، وخفف أنطيخوس السلوقي الضرائب عن اليهود، واهتم بعمارة المدينة وتدعيم حصونها، حتى ازدهرت أورشليم، وصارت مدينةً فخمة معمورة بالسكان.
ولم يمر وقت طويل حتى اقتحم المدينةَ غازٍ جديد، هو أنطيوخوس أبيفانس الحاكم اليوناني في سوريا، وذلك حوالي سنةِ مائة وسبعين قبل الميلاد، فنهبها وذبح الكثير من سكانها، ثم أرسل قائده أبولونيوس ليواصل عمله في تدمير المدينة ومعبدها، مما نتج عنه ثورة يهودية عارمة سنة ثلاث وستين ومائة، تسمَّى ثورة المكابيين، التي نجح اليهود فيها في طرد اليونانيين من بيت المقدس.
بعد أربعين سنة من الحكم والملك مات سليمان ـ عليه السلام ـ حوالي عام ثلاثين وتسعمائة قبل الميلاد، وقد بقيت مملكته طوال هذه المدة قوية مرهوبة الجانب، وظلت القدس عاصمة له طوال حكمه ..
وأتيح لسليمان من أسباب القوة والسيطرة ما لم يتح لأبيه من قبله، فكان له جنود من الجن والإنس ومن الطير، وسخر الله له الريح تتحرك بأمره حيث شاء، وعلمه لغة الطير، مما مثل عنده أدوات لنشر الدين ومحاربة الوثنية والخرافة.
والقدس عند نبي الله سليمان أكثر من عاصمة سياسية لمملكته؛ فهي قبل ذلك، منار ينطلق منه نور النبوة، وتقام فيه العبادة لله تعالى وحده، وقد جدد سليمان ـ عليه السلام ـ بناء المسجد الأقصى بالمدينة المقدسة، واستعمل الإنس والجن في ذلك، حيث عملوا له محاريب، وغير ذلك من البنايات التي تخص المسجد.
ولم تقتصر حركة سليمان العمرانية على مسجد بيت المقدس الجليل، بل اتسعت لتشمل المدينة كلها، وكثيرًا من الجهات والبقاع في مملكته، فغدت القدس مجالا لحركة عمرانية كبيرة، ودخلت عليها توسيعات كثيرة. والقرآن في حديثه عن سليمان يشير إلى اهتمامه بالبناء والعمران عموما، واستخدامه الجن في هذه المهمات (يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجِفَان كالجواب وقُدُور راسيات). وقد جاءت ملكة سبأ إلى النبي سليمان في عاصمة ملكه، فوجدت أمامها صرحا عجيب البناء، أقيم من الزجاج فبهرها، حتى أسلمت لله، الذي يؤمن به سليمان قبلها بالرغم من أن ملكه أعظم من ملكها مراتٍ ومراتٍ.
وللشهرة الواسعة التي نالها سليمان، حتى وهو حي، بقيت عاصمته أورشليم جاذبة للناس من كل الأجناس، ومن علامات شهرته أن ملكة سبأ حينما تلقت كتابه إليها، قالت للناس من أنصارها: (إنه من سليمان..) ، فحدثتهم بطريقة مَنْ يعرف سليمان جيدًا.
وقد كانت روعة البناء والعمران السليماني في القدس وغيرها جاذبة لأعين الملوك فيما بعد، فحرصوا في غزوهم لبيت المقدس على سلب كنوزها، وتخريب عمرانها، ومثلوا سيف انتقام قاسيا من بني إسرائيل، ومن هؤلاء: البابليون والفرس واليونان والرومان.
الغزو البابلي لبيت المقدس:
بعد وفاة سليمان ـ عليه السلام ـ دب الخلاف بين بني إسرائيل، وتنازعوا على الملك، وانقسموا دولتين: إسرائيل في الشمال، ويهوذا في الجنوب، وعاصمة الأخيرة بيت المقدس.
ودب فيهم الداءان: الفرقة، وضعف الإيمان بالله، فكان من أثر ذلك أن تسلط عليهم أعداؤهم، فاقتحم الآشوريون القساة دولتهم الشمالية، وشردوا الشعب فيما سمى بـ "السبي الأول"، حوالي عام سبعمائة وواحد وعشرين قبل الميلاد.
وأما الدولة الجنوبية يهوذا، فقد اكتسحها البابليون، يقودهم نبوخذ نصَّر أو بختنصر البابلي، الذي تعامل مع بني إسرائيل بقسوة شديدة أيضا، لضلوعهم في معاونة خصومه من فراعنة مصر ـ كما يذكر بعض المؤرخين ـ فحطم بختنصر بيت المقدس، وذبح قائد الإسرائيليين وأبناءه، ونفى الشعب الإسرائيلي إلى ما بين النهرين، فيما سمى بـ "السبي الثاني". وهرب الكثيرون من وجه البطش البابلي إلى مصر والشمال الإفريقي وشبه الجزيرة العربية، وأصبحت القدس مدينة مدمرةً تتردد في أنحائها أصوات الخراب والدمار، وصارت خالية من الإسرائيليين تماما. وذلك في أوائل القرن السادس قبل الميلاد.
في هذا الزمان كان الآشوريون حكاما أقوياء فيما بين النهرين، فزحف البابليون في دولتهم الثانية على العاصمة الآشورية نينوى حتى سلبوا منها المجد، وحطموا الدولة الشرسة، ثم انطلق البابليون يوسِّعون سلطانهم، حتى أخضعوا الشام وبيت المقدس، ومنذ هذا اليوم سرى على القدس قانون أن الأقوى هو وحده الذي يستطيع السيطرة على المدينة المقدسة، يصدق ذلك على البابليين، كما يصدق على الفرس من بعدهم، ثم اليونان، ثم الرومان، وهكذا.
سيطرة الفرس على بيت المقدس:
في منتصف القرن السادس قبل الميلاد، وبعد أن أزال الإمبراطور الفارسي قورش مُلْكَ البابليين، راح الفرس يبسطون سلطانهم على المواضع المهمة من العالم المحيط بهم، وكانت دولتهم فَتِيَّةً تملك من أسباب القوة ما يمكّنها من ذلك، كما كان سلطانُها الكبير قورش يسلك سبيل الرفق مع خصومه، على النقيض من سابقِيهِ من الآشوريين والبابليين الذين لم يقتصروا على الشدة مع أعدائهم في ساحات الحرب، بل اشتدوا أيضا في مواجهة الشعوب بعد فتح الدول والاستيلاء على المدن.
وقد كان قورش أحد الفاتحين التاريخيين لبيت المقدس، فقد اتخذ قرارًا ذا أهمية خاصة في تاريخ اليهود، وهو السماح لهم بالعودة من السَّبْيِ إلى بيت المقدس، بعد أن مزق البابليون جموعهم، لكن كثيرا من الإسرائيليين كانوا قد كيّفوا حياتهم مع الواقع الجديد، واستقرت أوضاعهم في بلاد ما بين النهرين، وفضلوا البقاء في المنازل الهادئة التي أقاموها على شواطئ دجلة. إلا أن القلة التي عادت إلى المدينة المقدسة أعادت بناء سور المدينة وبيت العبادة من جديد.
ومع أن الفرس قد غادروا المدينة ومدنا أخرى كثيرة غيرها أمام زحف الإسكندر المقدوني الكاسح، إلا أنهم عادوا إليها، والرسول محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ في مرحلة دعوته في مكة، وذلك بعد الانتصار الكاسح الذي حققوه في مواجهة البيزنطيين سنة 614 من الميلاد، وعاد الفرس ليلقوا هزيمة مريرة أمام الحشود الهائلة التي قادها هرقل بعد هذا التاريخ بثلاثة عشر عاما، حيث سيطر الروم البيزنطيون على بيت المقدس بضع سنوات، انتهت بالفتح العُمَرِيّ للمدينة المقدسة سنة ست عشرة من الهجرة.
اليونانيون ووجود قلق في القدس:
الإسكندر الأكبر أو الإسكندر المقدوني، أحد القادة الكبار في التاريخ البشري، شرَّق بقواته وغرَّب فاتحا للبلاد والمدن، واستولى بقواته، وهو في مَيْعَةِ شبابه، في القرن الرابع قبل الميلاد، على مساحات واسعة من الأرض المعمورة حينئذٍ، فكون إمبراطورية لها ممتلكات في كل قارات العالم القديم: أوروبا وآسيا وإفريقيا.
وكان من قدر مدينة بيت المقدس أن تقع في يد هذا القائد الكبير، الذي أزال دولة الفرس، حين هزم دارا الثالث بالقرب من نهر إيسوس..
وقد سار الإسكندر في معاملته لليهود سير سابقِيه من الفرس، فمال إلى الرفق بهم؛ إذ استطاع أحد أحبار اليهود أن يؤثر عليه، وينال رضاه.
وعلى الرغم من ذلك فقد ضعفت أهمية بيت المقدس في هذه الفترة؛ إذْ كانت القوافل التجارية تمر بالمدن القريبة منها، دون أن تكون في حاجة إلى الذهاب إلى أورشليم التي تفتقر إلى المواد الخام التي تعتمد عليها التجارة.
واختطف الموت الإسكندر سنة 322 قبل الميلاد، وهو في شرخ شبابه، وكان قد مر على فتحه للقدس عشر سنوات فقط.. فانفتح بموته بابٌ لصراعٍ مرير بين ذوي النفوذ في دولته؛ إذْ لم يتركْ لخلافته سوى طفل صغير، كان تولّيه إيذانا بقيام المعارك والصراعات الطاحنة بين أصحاب النفوذ في جميع أنحاء إمبراطورية الإسكندر، و"تعرضت أرض يهوذا ـ وعاصمتها أورشليم ـ باعتبارها منطقة عبور مركزية للقوات المتصارعة ـ للغزو المتواصل من الجيوش السائرة من آسيا الصغرى إلى سوريا أو مصر، تحمل أمتعتها ومعداتها وعائلاتها وعبيدها. وفُتحت أورشليم ست مرات على الأقل في تلك السنوات".
تأرجحت السيطرة على القدس في هذه المرحلة بين طائفتين من اليونانيين هم: البطالمة والسلوقيون، فأخذ بطليموس الأول الذي سيطر على المدينة سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة قبل الميلاد ـ ينفي اليهود خارج القدس، ونقل الكثير منهم إلى الإسكندرية.
ومالت الكفة إلى السلوقيين سنة 275 قبل الميلاد، فاستولوا على بيت المقدس، ثم عاد البطالمة من جديد واستولوا على المدينة المقدسة سنة 199 قبل الميلاد، فدمر اليونانيون بيت العبادة الإسرائيلي، وكثيرًا ما كانوا يستدرجون اليهود إلى يافا، ويغرقونهم في مياهها، وازدادت الهجرات اليهودية إلى مصر والشمال الإفريقي وبلاد ما بين النهرين خلال هذه الفترة.
وقد جعلت هذه الأحداث الدامية اليهود أكثر ميلا إلى الحكم السلوقي، فعاونوه ضد البطالمة والمصريين (الذين كانوا خاضعين للحكم البطلمي أصلا)، فعادت أورشليم تابعة للسلوقيين من جديد، وخفف أنطيخوس السلوقي الضرائب عن اليهود، واهتم بعمارة المدينة وتدعيم حصونها، حتى ازدهرت أورشليم، وصارت مدينةً فخمة معمورة بالسكان.
ولم يمر وقت طويل حتى اقتحم المدينةَ غازٍ جديد، هو أنطيوخوس أبيفانس الحاكم اليوناني في سوريا، وذلك حوالي سنةِ مائة وسبعين قبل الميلاد، فنهبها وذبح الكثير من سكانها، ثم أرسل قائده أبولونيوس ليواصل عمله في تدمير المدينة ومعبدها، مما نتج عنه ثورة يهودية عارمة سنة ثلاث وستين ومائة، تسمَّى ثورة المكابيين، التي نجح اليهود فيها في طرد اليونانيين من بيت المقدس.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى